المدارس الخاصة.. جدية غائبة وتدليل زائد!


 بين التربية والتعليم

الأحد , 3 أكتوبر 2010 م
الغد- صلاح الطاهري
منذ أن بدأت المدارس الأهلية والخاصة تنتشر في الحارات والأزقة، ظهرت سلبيات جديدة لم تعرفها العملية التعليمية في اليمن، وبدلا من أن توفر هذه المدارس حلولا لبعض المشاكل التعليمية في المدارس العامة، أضافت مشاكل إضافية، رغم مساهمتها في التخفيف من بعض السلبيات، التي يعاني منها النظام التعليمي عموما.
بالنسبة لأولياء أمور الطلبة، هناك تباين في دوافع انجذاب كثير منهم نحو إلحاق أبنائهم في المدارس الأهلية والخاصة، فهناك من يبحث عن جودة التعليم، والخدمة التعليمية، وهناك من يبحث عن نوع خاص من التعليم والتربية التي يرغب بتنشئة أبنائه عليها، فيما هناك من لا يبحث هذا ولا ذاك، ولا تتعدى دوافعه سقف التفاخر في إلحاق أبنائه بمدرسة خاصة، تضم أبناء النخبة القادرة على دفع مبالغ طائلة، بغض النظر عن نوعية التعليم الذي يحصل عليه أبناؤها، أو طبيعة القيم التي يمكن أن يكتسبوها.
 وهناك الكثير من أولياء الأمور والتربويين، الذين يعتبرون بأن التعليم أكثر جودة في المدارس الخاصة عموما، بدليل حصول طلبة المدارس الخاصة على درجات عالية في نتائج المرحلتين الأساسية والثانوية، في ظل تراجع المستويات التعليمية في الغالبية العظمى من المدارس الحكومية، غير أن هؤلاء المتحمسين للتعليم الأهلي والخاص، لا يبرئون المدارس الأهلية والخاصة من سلبيات يطمحون لتصحيحيها، كما أنهم مجمعون على أن كثيرا من هذه المدارس لا تؤدي دورها التعليمي، والتربوي على أكمل وجه.
ربما ينتقد البعض تزايد هذه المدارس، مع بداية كل عام دراسي جديد، حتى أن هناك في بعض المناطق مدرستين في شارع واحد، نظرا لعدم مراعاة التوزيع الجغرافي للمدارس، غير أن هناك من يرى في ذلك ظاهرة صحية، تعزز ثقافة التنافس في تقديم الخدمة التعليمية الأجود للطلاب.
ولأن ظاهرة المدارس الخاصة، لم تعد ظاهرة خاصة بالعاصمة صنعاء، والمدن الرئيسية في المحافظات الرئيسية، تسلط "الغد" الضوء على المدارس الخاصة في محافظة إب، التي تكتظ شوارعها بالمدارس الخاصة، في ظل شيوع موضة التعليم الخاص، بين كثير من أولياء الأمور في هذه المحافظة، التي تعتبر من المحافظات المهمشة تعليميا.
المواطن قاسم محمد، وهو أب لأربعة طلاب، يرى بان التعليم الخاص يقدم تعليما نوعيا، بالإضافة إلى تعليم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية، فضلا عن وجود أنشطة وبرامج ترفيهية للطلاب، وقلة عدد الطلاب في الفصل الواحد على عكس المدارس الحكومية، وهذا من وجهة نظره يساعد الطلاب على الفهم والاستيعاب بشكل أفضل، كما أن المدارس الخاصة توفر وسيلة مواصلات آمنة من البيت إلى المدرسة، لطلابها، وتوفر الكتب الدراسية، والكراسي الملائمة للطلاب.
ولخص قاسم حديثه لـ"الغد" عن مميزات التعليم الخاص، بأن كل مشاكل التعليم في المدارس الحكومية، تعتبر مميزات للتعليم الخاص، ولكن المواطن علي محمد الإدريسي يرى عكس ذلك، فهو يفاخر بتفوق أبنائه الخمسة ذكورا وإناثا، رغم دراستهم في مدرسة حكومية، مفضلا التعليم في المدارس الحكومية حتى وإن كانت هناك سلبيات فيها، لأن المدارس الأهلية والخاصة من وجهة نظره سلبياتها أكثر، أهمها السعي للربح أكثر من الحرص على تحقيق مخرجات تعليمية، مشيرا إلى أن ارتفاع الرسوم الدراسية فيها، يفرز طبقية اجتماعية في المجتمع.
وذكر الإدريسي بأن المدارس الخاصة، وسعياً إلى الحفاظ على طلابها، تعمل على تدليلهم أكثر من اللازم، فيما تمتهن بالمقابل المدرسين، وتستغل الخريجين الجدد، وتدفع لهم أجورا زهيدة، الأمر الذي يجعلها تغير طاقم مدرسيها كل شهرين أو ثلاثة أشهر، والمتضرر الوحيد من هذا هو الطالب، نظرا لعدم وجود مدرسين يمتلكون خبرات تراكمية في العمل لديها، على عكس المدارس الحكومية.
وأضاف الإدريسي بأن غالبية المدارس الخاصة عبارة عن شقق غير ملائمة للدراسة، ولا توجد فيها ساحات واسعة وكافية، مشيرا إلى غلبة طابع العلاقات الاجتماعية في سياساتها التعليمية، أكثر من تطبيقها للنظم واللوائح التعليمية.
أما الموجه التربوي، صديق العباب، فيفصل القضية بنوع من الحيادية، حيث يرى بان التعليم الأهلي والخاص، من حيث المبدأ يعتبر إضافة نوعية، ورابطا حقيقيا بين رأس المال والمجتمع، لأن الاستثمار في التعليم يقدم خدمات كبيرة للمجتمع، مستدركا بأن التعليم الخاص أصيب ببعض المظاهر السلبية، من حيث غلبة الطابع الربحي على جوانب العطاء التعليمي، وقال بأن هذا الخطأ تشارك فيه الجهات الرسمية أصحاب المؤسسات التعليمية، لعدم تطبيق الشروط اللازمة لفتح مثل هذه المشاريع، ومراقبة أدائها، حتى وصل الحال إلى افتتاح مدارس خاصة من قبل أشخاص لمجرد امتلاكهم للمبنى، وإن لم تتوفر فيهم أدنى المؤهلات التربوية.
أما المدرسة أمل، والتي قررت أخيرا ترك العمل كمدرسة في مدرسة خاصة، فقد أبدت تذمرها من عملها في إحدى المدارس الخاصة، نتيجة السياسات السلبية التي تنتهجها إدارة هذه المدرسة، كاستغلال المدرسات بمرتبات زهيدة، والتدليل الزائد للطالبات، بحيث لا تستطيع المدرسة تطبيق أساليب التعليم الناجح، التي تمثل نصف العملية التربوية والتعليمية، من وجهة نظرها.
وأوضحت أمل بأن المدرسة في المدارس الخاصة تشعر بأنها مجرد أداة، ولا قيمة لها أمام الطالبات، الأمر الذي يؤدي إلى استهتار الطالبات بالمدرسات أثناء الحصص، مشيرة إلى أنه ورغم أن الأجر الذي تحصل عليه المدرسات زهيد للغاية، يتم إرهاقهن بجدول حصص مزدحم يوميا، حيث تتنقل المدرسة بين عدد من الشعب والفصول الدراسية طوال اليوم، وكأنها مجرد آلة تلقي الدرس وتخرج لإلقاء درس آخر في فصل آخر، طيلة فترة الدوام، على عكس المدارس الحكومية التي يحدد فيها جدول مريح للمدرسات، كي يقمن بأداء عملهن بإتقان.
أما في مكتب التربية والتعليم في المحافظة، فهناك لوحة ورقية تم تعليقها مطلع العام الدراسي، وكتب عليها أسماء المدارس الأهلية والخاصة التي تجدد تراخيص مزاولتها للعمل، والمدارس التي لم تستكمل إجراءات تأسيسها، واستخراج تراخيصها، حيث ينذرها المكتب بالإغلاق في حال عدم استكمال إجراءاتها.
وأكد مدير إدارة التعليم الأهلي والخاص بمكتب التربية بالمحافظة، عارف القادري، بأن مسؤولية نجاح العملية التعليمية لا تقتصر على وزارة التربية والمدارس الحكومية والأهلية، ولكن الجميع شركاء في ذلك، فالمدرس والوزارة والآباء والأمهات والمجتمع عموما، مسؤولون عن الارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية، مشيرا إلى أن المدارسة الأهلية تمثل رديفا فاعلا في الارتقاء بمستوى التعليم.
وأوضح القادري بأن انتشار المدارس الأهلية قائم على معايير وضوابط حددتها وزارة التربية والتعليم، وفي حال تجاوز مدرسة لتلك الضوابط فإنه يتم إغلاقها، مشيرا إلى أن عدد المدارس الأهلية والخاصة بالمحافظة حتى العام الدراسي 2009/2010م بلغ 52 مدرسة، بالإضافة إلى سبع مدراس جديدة خلال العام الدراسي الحالي.
وأضاف القادري بأن معايير افتتاح المدارس الأهلية، تتم وفقا لقانون التعليم الأهلي والخاص، رقم 11 لسنة 1999م، ولائحته التنفيذية، وهي تتلخص في تقديم الطلب إلى مكتب التربية في شهر إبريل من كل عام، بعدها تعمل لجنة مكونة من مدراء الإدارات المختصة على فحص وثائق وملفات المدرسة ومطابقتها للمعايير القانونية، كملاءمة مبنى المدرسة للدراسة، من حيث التهوية والإنارة ومساحة الفصول، ومساحة ساحة المدرسة، كما يتم تحديد الطاقة الاستيعابية لكل مدرسة، ويتم اشتراط توفر كادر إداري متخصص وكادر تربوي، من الحاصلين على مؤهلات تربوية، على أن يكونوا متفرغين للعمل كمدرسين.
وبخصوص اختلاف أسعار الرسوم الدراسية من مدرسة إلى أخرى، أكد القادري بأنه ليس هناك قرار يحدد رسوم الدراسة في المدراس الأهلية والخاصة، نظرا لأن هناك تمايزاً بين مدرسة وأخرى، من حيث نوعية التعليم، واختلاف الخدمات الإضافية المصاحبة للعملية التعليمية، مشيرا إلى أن مكتب التربية ألزم المدارس الخاصة بتحديد أقل راتب للمدرسين بعشرين ألف ريال، من خلال بطاقة يحصل عليها المدرس، ومع هذا لم يتقدم أي مدرس بشكوى بهذا الخصوص.
وأفاد القادري بأن مكتب التربية بالمحافظة سبق وأن قام بإغلاق بعض المدارس المخالفة، كما تم إلزام بعض المدارس بتغيير مبانيها، بمبان ملائمة، داعياً مالكي ومدراء المدارس الأهلية إلى الإلتزام بمعايير التعليم الأهلي والخاص.
وتشير الاحصائيات التي حصلت عليها "الغد" إلى أن عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الأهلية بمحافظة إب، بلغ هذا العام، 16 ألفا، و489 طالبا وطالبة، فيما بلغ الكادر الإداري والتربوي للمدارس الخاصة، 1708 موظفين.
google.com/+Taiz2020Blogspotsaleemalkadasy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق